من طرف الهيثم الأربعاء أبريل 30, 2008 11:16 pm
تابع..
قال العلامة السفاريني -رحمه الله تعالى-: (( اعلم أنه يستحب صلاة المصلّى إلى سترة اتّفاقا ، ولو لم يخش مارّاً ، خلافاً لمالك ، وأطلق في ((الواضح)) : يجب من جدار أو شيء شاخص ، وعرض السترة أعجب إلى الإمام أحمد)).[ شرح ثلاثيات المسند: (2/786)]
والإطلاق اصح ، لأن (( التعليل المذكور مجرد رأي، لا دليل عليه، وفيه إهدار بمجرد الرأي للنصوص الموجبة لاتخاذ السترة وقد سبق ذكر بعضها، وهذا لا يجوز، وبخاصة أنه يمكن أن يكون المار من الجنس الذي لا يراه الإنسي، وهو الشيطان، وقد جاء ذلك صريحاً من قوله r وفعله))[ تمام المنة : (ص 304)] .
قال ابن خزيمة بعد ذكره لبعض الأحاديث التي فيها الأمر باتّخاذ السّترة : (( فهذه الأخبار كلها صحاح ، قد أمر النبيr المصلّي أن يستتر في صلاته )) .
وزعم عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس : (( أن النبي r صلّى إلى غير سترة، وهو في فضاء )). [الحديث ضعيف ، كما نبه عليه الألباني في ((تمام المنة )) : (ص 305))وقال : ((وهو مخرّج عندي في ((الأحاديث الضعيفة)) : رقم (5814) مع أحاديث أخرى بمعناه))]، لأن عرفات ، لم يكن بها بناء على عهد رسول اللّه r ، يستتر به النبي r !! وقد زجر r أن يصلّي المصلي إلا إلى سترة، فكيف يفعل ما يزجر عنه r ؟!))[ صحيح ابن خزيمة : (2/27-28)].
قلت: وعدم وجود البناء لا يمنع من اتخاذ السترة، وقد وقع التصريح بذلك في حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما.
فعن ابن عباس قال : (( يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار))[ أخرجه البخاري في (( الصحيح)): رقم (76) و(493) و (861) و(1857) و (4412) وأحمد في (( المسند)) : (1/342) ومالك في (( الموطأ)) : (1/131) و غيرهم]
وورد عنه من طريق آخر صحيح أنه قال:
(( ركزت العَنَزَة بين يدي رسول اللّه r بعرفات، وصلّى إليها، والحمار من وراء العنزة))[ أخرجه أحمد في ((المسند)) : (1/243) وابن خزيمة في ((الصحيح)) : ( 840) و الطبراني في ((المعجم الكبير)) : (11/243) وإسناد أحمد حسن]
قال ابن التركماني :
(( قلت : لا يلزم من عدم الجدار، عدم السترة، ولا أدري ما وجه الدليل في رواية مالك على أنه صلى إلى غير سترة)).[ الجوهر النقي: (2/273) . وانظر ردوداً أخرى في (( أحكام السترة)) : ( ص 88 و ما بعدها)].
نقول بعد ما تقدم :
1- تبيّن لنا بوضوحٍ : خطأ مَنْ يصلّي ولم يستتر بسترةٍ بين يديه، حتى لو أمن مرور الناس، أو كان في فضاء، ولا فرق بين مكة و غيرها في أحكام السّترة على الإطلاق.[انظر معتمد القائلين بأنه لا سترة بمكة، وأنه يجوز – هنالك- المرور بين يدي المصلين و الرد عليه في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) : رقم ( 928) وكتاب (( أحكام السترة في مكة وغيرها )) : ( ص 46-48) و ( ص 120-126) ، و تقييد المرور بالضرورة أمر لا مندوجة عنه ، وخصوصاً في حالة الازدحام الشديد، وقد قال به الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) : (1/576) والزرقاني في ((شرحه على مختصر خليل )) : (1/209) ، والله اعلم]
2- واستحب بعض أهل العلم أن يجعل المصلّى السترة إلى يمينه قليلاً أو إلى شماله، ولا يستقبلها استقبالاً[انظر – مثلاً - ((زاد المعاد)) : (1/305)] ، ولا دليل يصح في ذلك[انظر تفصيل ذلك في ((نصب الراية )) : (2/84) و ((أحكام السترة )) : (ص 113 -115) ] ، وعليه فكلّ جائز [أحكام السترة : (ص 45)]
ومن الجدير بالذّكر:
3- أن مقدار السترة المجزئة ، التي تستر المصلّي ، وتدفع عنه ضرر المارّ ، طول مؤخّرة الرّحل ، ولا يجوز أن يكتفي المصلّي في وقت السَّعة بما دون ذلك ، ودليله :
عن طلحة قال : قال رسول الله r : (( إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخّرة الرحل ، فليصل ، ولا يبالي مَنْ مرّ وراء ذلك)).[أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (499)]
و عن عائشة قالت : سئل رسول اللّه r في غزوة تبوك عن سترة المصلّي ، فقال : (( كمؤخرة الرحل ))[أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (500)].
و عن أبي ذر قال : قال رسول اللّه r : (( إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإنه يقطع صلاته الحمار و المرأة و الكلب الأسود )).[ أخرجه مسلم في ((صحيحه)) : رقم (510)].
وأهل العلم يرون أن تأخير البيان ، عن وقت الحاجة ، لا يجوز ، و النبي r إنما سئل عما يجزىء ، فلو كان يجزىء أقل من ذلك ، لما جاز أن يؤخّره عن وقت السؤال.[ أحكام السترة : (ص 29)].
و الرّحل مقداره ذراع ، كما صرح به عطاء وقتادة والثوري ونافع[انظر : ((مصنف عبد الرزاق)) : (2/9، 14 ،15) و (( صحيح ابن خزيمة)) : رقم (807) و ((سنن أبي داود)) : رقم ( 68) ]، و الذراع ما بين طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى[لسان العرب : ( 3/1495)]، ويقدر بـ (2و46) سم.[معجم لغة الفقهاء : ( ص 450 ، 451)].
و ثبت أن النبي r صلى إلى العَنَزَة[ هي عصا ما بين الرمح والقوس ]. والرمح ونحوهما ، والمعلوم أنهما من الدّقة بمكان ، وهذا يؤكّد أن المقصود ببلوغ السترة ذراعاً في الطول لا في العرض .
قال ابن خزيمة : ((و الدليل من أخبار النبي r أنه أراد مثل آخرة الرّحل ، في الطول لا في العرض ، قائم ثابت ، منه أخبار النبي r أنه كان تركز له الحربة ، يصلي إليها ، وعرض الحربة لا يكون كعرض آخرة الرحل))[ صحيح ابن خزيمة : (2/12)].
وقال أيضاً : ((وفي أمر النبي r بالاستتار بالسهم في الصلاة ، ما بان وثبت أنه r أراد بالأمر بالاستتار، بمثل آخرة الرحل في طولها، لا في طولها و عرضها جميعاً))[ المرجع السابق].
إتخاذ الخط سترة:
وعليه : فلا يجوز اتخاذ الخط سترة ، مع القدرة على اتخاذ غيره ، ولو كان عصا أو متاعاً أو خشبة أو تراباً، حتى لو جمع حجارةً فوق بعضها بعضاً ، كما فعل سلمةُ بن الأكوع رضي اللّه عنه.
ومن الجدير بالذّكر : أنّ حديث اتّخاذ الخطّ سترة ضعيف ، أشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي والبغوي وغيرهم .
وقال الدار قطني : لا يصح ولا يثبت . وقال الشافعي في ((سنن حرملة)) : ولا يخط المصلي بين يديه خطاً ، إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت ، فيتّبع .وقال مالك في ((المدونة)) : ((الخط باطل)) .[ القول المبين في أخطاء المصلين – مشهور حسن آل سلمان].