كيف اهتديت؟
للشيخ محمد جميل زينو حفظ الله
وهي عبارة عن سلسلة من كتاب: (( كيف اهتديت الى التوحيد والصراط المستقيم؟ )).
وهي ممتعة الى حد كبير فتابعوها لتستفيدوا منها ففيها الخير إن شاء الله تعالى.
الحلقة الأولى:
كنت نقشبندياً
(( كنت منذ الصغر أحضر الدروس في المساجد والحلقات للذكر وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية ، فأخذني إلى زاوية المسجد وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سني لم استطع أن أقوم بما أمرني به من الأوراد إلا أنني أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا، وأسمع ما يقولون من القصائد والأناشيد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجيء في الليل ، ويسبب لي الرعب والمرض ، وعندما تقدمت في السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحي لأحضر معه ما يسمونه ( الختم ) فكنا نجلس على شكل حلقة ، وأحد الشيوخ يوزع علينا الحصى ويقول : "الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف " فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص ، والاستغفار ، والصلاة على النبي بالصورة التي يحفظونها، وأذكر منها ( اللهم صلي على محمد عدد الدواب ) يقولونها جهراً آخر الذكر وبعدها يقول الشيخ الموكل بالختم : ( الرابطة الشريفة ) ويقصدون بها أن يتصوروا شيخهم في حال ذكرهم لأن الشيخ يربطهم بالله في زعمهم ، فكانوا يهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع حتى أن أحدهم شاهدته يقفز فوق رؤوس الحاضرين من مكان مرتفع من شدة وجده ، كأنه البهلوان فاستغرب هذا التصرف والصياح عند ذكر شيخ الطريقة ، ودخلت مرة على بيت قريبي هذا ، فسمعت نشيداً من جماعة الطريقة النقشبندية يقولون فيه :
دلوني بالله دلوني ……على شيخ النصر دلوني
اللي يبري العليل ……ويشفي المجنونا
وقفت على باب البيت ، ولم أدخل ، وقلت لصاحب البيت : هل الشيخ يبريء العليل ، ويشفي المجنون ؟ قال : نعم ، قلت له : الرسول عيسى بن مريم عليه السلام الذي أعطاه الله معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص يقول : بإذن الله ، فقال لي : وشيخنا يفعل بإذن الله ! قلت له : ولماذا لا تقولون بإذن الله ؟! علماً بأن الشافي هو الله وحده، كما قال إبراهيم عليه السلام:
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " الشعراء 80 "
ملاحظة على الطريقة النقشبندية
تمتاز هذه الطريقة بأورادها السرية الخفية ، فليس فيها رقص ولا تصفيق مما عند غيرهم من الطرق المشهورة .
هذا الاجتماع على الذكر ، وتوزيع الحصى على كل واحد ، والموكل بالختم يأمرهم أن يقولوا كذا ، ووضعهم الحصى في كأس ماء ليشربوا منه ، ويستشفوا به ، هذا كله من البدع التي أنكرها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حينما دخل المسجد ، فرأى جماعة يتحلقون ، وبأيديهم الحصى ، يقول أحدهم : سبحوا كذا ، افعلوا كذا عدد الحصى التي بأيديهم ، فقال لهم موبخاً : " ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ؟ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة " ؟!
" حسن رواه الدرامي والطبراني "
وهذه قضية منطقية سليمة ، فهؤلاء إما أن يكونوا أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم وفقوا إلى عمل لم يصل إليه علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكونوا في ضلالة ، والفرض الأول منتف حتماً ، لأنه لا أحد أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق إلا الفرض الآخر .
الرابطة الشريفة : ويعنون بها أن يتصوروا صورة الشيخ أمامهم في الذكر ينظر إليهم ، ويراقبهم لذلك تراهم يخشعون ويصيحون بأصوات منكرة غير واضحة ، وهذه مرتبة الإحسان التي وردت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
ففي هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعبد الله كأننا نراه , وإذا كنا لا نراه , فإنه يرانا , هذه مرتبة الإحسان التي هي لله وحده , قد أعطوها لشيخهم وهذا من الشرك الذي نهى الله عنه بقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) . " سورة النساء 36 "
فالذكر عبادة لله لا يجوز أن نشرك به أحداً ، ولو كان من الملائكة أو الرسل والمشايخ دون رتبتهم ، فلا يجوز إشراكهم من باب أولى ! والحقيقة أن تصور الشيخ في الذكر موجود أيضاً في الطريقة الشاذلية ، وغيرها من الطرق الصوفية كما سيأتي .
4- هذا الصياح الشديد الذي يعتريهم عند ذكر الشيخ ، أو طلب المدد من غير الله كأهل البيت ، ورجال الله ، هو من المنكرات بل هو من الشرك المنهي عنه ، فإذا كان الصياح عند ذكر الله منكراً ، لأنه يتنافى مع قول الله تعالي :( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) .
" سورة الأنفال آية 2 "
وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ) . " متفق عليه "
فإن الصياح والخشوع والبكاء عند ذكر الأولياء أشد إنكاراً لأن هذا يدل على الاستبشار الذي حكاه الله عن المشركين حين قال :
(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) . " سورة الزمر 45 "
5- الغلو في شيخ الطريقة ، اعتقادهم أنه يشفي المرضى ، مع أن الله تعالى ذكر قول إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم .
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " سورة الشعراء 80 "
( وقصة الغلام المؤمن الذي كان يدعو للمرض ، فيشفيهم الله ، حين قال له جليس الملك : لك هذا المال إن أنت شفيتني ! فقال له الغلام (أنالا أشفي أحداً إنما يشفي الله إن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك) .
" القصة رواها مسلم في صحيحة "
الذكر عندهم باللفظ المفرد وهو ( الله ) آلاف المرات هي وردهم , مع أن هذا الذكر بلفظ ( الله ) لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا التابعين , ولا عن الأئمة المجتهدين , بل من بدع الصوفية , لأن لفظ ( الله ) مبتدأ , ولم يأت بعده خبره, فأصبح الكلام ناقصاً , ولو أن إنساناً نادى اسم (عمر) عدة مرات , فنقول له : ماذا تريد من عمر ؟ فلم يرد علينا إلا باسم (عمر , عمر) لقلنا إنه معتوه , لا يدري ماذا يقول ؟ ويستشهد الصوفية على الذكر المفرد بقول الله تعالى : ( قل الله ) ولو أنهم قرأوا الكلام الذي قبله لعرفوا أن المراد قل الله أنزل الكتاب , ونص الآية : (( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى... قل الله )) . ……… " سورة الأنعام 91 "
[ أي قل الله أنزل الكتاب ] )).
الى اللقاء مع الحلقة الثانية والتي هي بعنوان: (( كيف انتقلت الى الطريقة الشاذلية )).
عدل سابقا من قبل هيثم بن علي البجالي في الإثنين أبريل 14, 2008 3:14 pm عدل 2 مرات