( 3 )
ما على الحاضرين بعد موته
17 -
فإذا قضى وأسلم الروح ، فعليهم عدة أشياء :أ ، ب -
أن يغمضوا عينيه ، ويدعوا له أيضا لحديث أم سلمة قالت : "
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة ، وقد شق بصره ، فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال: اللهم اغفر لابي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين،واغفر لنا وله يا رب العالمين،وافسح له في قبره ،ونور له فيه ".أخرجه مسلم وأحمد(6/297) والبيهقي 3/334) وغيرهم .
ج- أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها : "
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة " .أخرجه الشيخان في صحيحيهما والبيهقي ( 3/ 385 ) وغيرهم .
د -
وهذا في غير من مات محرما ،فإما المحرم ،فإنه لا يغطى رأسه ووجهه لحديث ابن عباس قال : "
بينما رجل واقف بعرفة ، إذ وقع عن راحلته فوقصته ، أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ( وفي رواية : في ثوبيه ) ولا تحنطوه ( وفي رواية :ولا تطيبوه) ،ولا تخمروا رأسه ( ولا وجهه )،فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " .أخرجه الشيخان في " صحيحيهما "وأبو نعيم في " المستخرج " ( ق 139-140)والبيهقي (3/390)وليست الزيادة عند البخاري
هـ -
أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا :"
أسرعوا بالجنازة."الحديث ، وسيأتي بثمامه في الفصل (47).وفي الباب حديثان آخران أصرح من هذا،ولكنهما ضعيفان ولذلك أعرضنا عنهما(1) .
و-
أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه ، ولا ينقلوه إلى غيره ، لانه ينافي الاسراع المأمور به في حديث أبي هريرة المتقدم ، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :"
لما كان يوم أحد ، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع ،فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أمي أبي وخالي عديلين ( وفي رواية : عادلتهما ) ( على ناضح ) لتدفنهم تفي البقيع - فردوا ( وفي رواية قال : فرجعناهما مع القتلى حيث قتلت ) ".أخرجه أصحاب السنن الاربعة وابن حبان في صحيحه (196- موارد)
ولذلك قالت عائشة لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه:"
ما أجد في نفسي، أو يحزني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه" <span style='font-size:9pt;line-height:100%'>(2) أخرجه البيهقي بسند صحيح .</span>
ز -
أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله ،فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه،فإن لم تفعل ،وتطوع بذلك بعضهم جاز،وفي ذلك أحاديث:
الأول : عن سعد بن الأطول رضي الله عنه:"
أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، قال : فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :إن أخاك محبوس بدينه ( فاذهب ) فاقض عنه ( فذهبت فقضيت عنه،ثم جئت ) قلت:يارسول الله،قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة ، وليست لها بينة ،قال أعطها فإنها محقة ،( وفي رواية :صادقة ) ". أخرجه ابن ماجه (2/ 82 ) وأحمد ( 4/ 136، 5/7 ) والبيهقي (10/ 142)
الثاني : عن سمرة بن جندب . " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى على جنازة ( وفي رواية : صلى الصبح ) فلما انصرف قال : أههنا من آل فلان أحد ؟ ( فقال رجل : هو ذا ) ،قال : فقام رجل بحر إزاره من مؤخر الناس ( ثلاثا لا بحيبه أحد ) ، ( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك في المرتين الاولين أن تكون أجبتني ؟ ) أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير ، إن فلانا - لرجل منهم - مأسور بدينه ( عن الجنة ، فان شئتم فافدوه ، وإن فأسلموه إلى عذاب الله ) ،فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه ، ( حتى ما أحد يطلبه بشئ ) (3) " أخرجه أبو داود (2/ 84) والنسائي (2/233) والحاكم (2/25،26) والبهقي (6/4/76)
الثالث عن جابر بن عبد الله قال:
" مات رجل ،فغسلناه وكفناه وحنطناه ، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز،عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا ،( فتخطى ) خطى ، ثم : قال لعل على صاحبكم ديناَ ؟ قالوا نعم ديناران ، فتخلف ، ( قال : صلوا على صاحبكم ) ، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة :يا رسول الله هما علي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:هما عليك وفي مالك، والميت منهما برئ ؟ فقال : نعم ، فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول: ( وفي رواية ثم لقيه من الغد فقال: ( ما صنعت الديناران ؟ ( قال: يارسول الله إنما مات أمسِ ) حتى كان آخر ذلك ( وفي الرواية الاخرى : ثم لقيه من الغد فقال : ما فعل الديناران؟ ) قال : قد فضيتهما يا رسول الله ، قال الان حين بردت عليه جلده " .(4)
أخرجه الحاكم (2/ 58) والسياق له والبيهقي (6/74-75) والطيالسي ( 1673) وأحمد ( 3/330) بإسناد حسن
==========================================
تنبيهان
==========================================
1- أفاد هذا الحديث أن قضاء أبي قتادة للدين كان بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الميت.وهذا مشكل ، فقد صح عن أبي قتادة نفسه أنه قضاه قبل الصلاة كما سيأتي ذكره في المسألة (55) فقرة(و)،فان لم تحمل القصة على التعدد فرواية أبي قتادة أصح من حديث جابر،لان فيه عبد الله بن محمد عقيل،وفيه كلام ،وهو حسن الحديث فيما لم يخلف فيه، وأما مع المخالفة فليس بحجة،والله أعلم .
2 - أفادت هذه الاحاديث أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ، ولو كان من غير ولده ،وأن القضاء يرفع العذاب عنه،فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تبارك وتعالى : ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) ولقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث .."الحديث رواه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأحمد،ولكن القضاء عنه شئ والتصدق عنه شئ آخر، فإنه أخص من التصدق،وإلا فالأحاديث التي وردت في التصدق عنه ، إنما موردها في صدقة الولد عن الوالدين،وهو من كسبهما بنص الحديث ،فلا يحوز قياس الغريب عليهما ، لأنه قياس مع الفارق كما هو ظاهر،ولا قياس الصدقة على القضاء ، لأنها أعم منه كما ذكرنا، ولعلنا نتكلم عن هذه المسألة بشئ من التفصيل في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى .
________________________________________________
الحديث الرابع : عن جابر أيضا .
" أن أباه استشهد يوم أحد ، وترك ست بنات،وترك عليه دينا ( ثلاثين وسقا )،( فاشتد الغرماء في حقوقهم )، فلما حضره جداد النخل ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يارسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه ديناً كثيراً ، وإني أحب أن يراك الغرماء ، قال : اذهب فبيدر كل تمر على حدة ، ففعلت ، ثم دعوت ، ( فغدا علينا حين أصبح ) ، فلما نظروا إليه أُغروا بي تلك الساعة ، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاثاً ( ودعا في ثمرها بالبركة ) ،ثم جلس عليه، ثم قال :ادع أصحابك ،فما زال يكيل لهم ،حتى أدى الله أمانة والدي ، وأنا والله راضٍ أن يؤدي الله أمانة والدي (5) ، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلمت والله البيادر كلها حتى اني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص تمرة واحدة،( فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ، فذكرت ذلك له فضحك ، فقال : ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما،فقالا: لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون ذلك" .
أخرجه البخاري (5 /46 ،171،319 ، 6 /462 ،46)
الخامس عنه أيضا قال :
"كان رسول الله صلى عليه وسلم يقوم فيخطب ، فيحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهل له ، ويقول : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، إنَّ خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة (وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار) ،وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه،وعلا صوته واشتد غضبه ، كأنه منذر جيش ( يقول ) :صبحكم ومساكم،من ترك مالا فلورثته ، ومن ترك ضياعا (6) أو ديناً فعليّ ، وإليّ ، وأنا ( أ ) ولى ( بـ ) المؤمنين ( وفي رواية : بكل مؤمن من نفسه ) " .أخرجه مسلم (3/11) والنسائي (1/234) والبيهقي في " السنن " (3/ 132- 214)
السادس :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حمل من أمتي دينا ، ثم جَهَدَ في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه " . أخرجه أحمد (6/74) وإسناده صحيح على شرط الشيخين . وقال المذري (3/33) : " رواه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلى والطبراني في الاوسط " ونحوه في " المجمع " (4/ 132) إلا أنه قال : " ورجال أحمد رجال الصحيح "
(7)
= = = = = = = = = = = = = = = = =
1- أما الحديث الاول فهو عن ابن عمر مرفوعا ولفظه : " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ، وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ رأسه بفاتحة البقرة ، رجليه بخاتمتها " .
أخرجه الطبراني " المعجم الكبيز " ( 3 / 208 / 2 ) والخلال في " القراءة عند القبود ، " ( ق 25 / 2 ) من طريق يحي بن عبد الله بن الضحاك البابلي ثنا أيوب بن نهيك الحلبي الزهري - مولى آل سعد بن أبي وقاص - قال : سمعت عطاء بن أبي رباح المكي قال : سمعت ابن عمر قال : فذكره . قلت : وهذا سند ضعيف وله علتان : الاول : البابلتي - ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب " . الثانية : شيخه أيوب بن نهيك ، فانه أشد ضعفا منه ، ضعفه أبو حاتم وغيره ، وقال الازدي : متروك . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وساق له الحافظ في " اللسان " حديثا آخر ظاهر النكاره من طريق يحيى بن عبد الله ثنا أيوب عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا . ثم قال : " ويحي ضعيف ، لكنه لا يحتمل هذا " ثم قال : ! فإذا عرفت هذا فالعجب من الحافظ حيث قال في " الفتح " ( 3 / 143 ) في حديث الطبراني هذا : " إسناده حسن " ! ونقله عنه الشوكاني في " نيل الاوطار " ( 3 / 309 ) وقره ! وأما الهيثمي فقال " المجمع " ( 3 / 44 ) . " رواه الطبراني في الكبير ، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف " . وفاته أن فيه أيوب بن نهيك وهو شرمنه كما سبق . وأما الحديث الثاني فهو عن حصين بن وحوح : " أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله وسلم يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت ، فآذنوني به حتى أشهده فأصلي عليه ، وعجلوه ، فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " .
أخرجه أبو داود والبيهقي ( 3 / 386 - 387 ) ، وفيه عروة - ويقال عزرة - ابن سعيد الانصاري عن أبيه ، وكلاهما مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " . ثم إن الاستدلال بحديث أبي هريرة على ما ذكرنا إنما هو بناء على أن المراد ب ( أسرعوا ) الاسراع بتجهيزها ، وأما على القول بأن المراد الاسراع بحملها إلى قبرها ، فلا يتم الاستلال به . وهذا القول هو الذي استظهره القرطبي ثم النووي ، وقوى الحافظ القول الاول بالحديثين الذين تكلمنا عنهما آنفا ، ولا يخفى ما فيه .
2- أي شددتهما على جنبتي البعير كا لعديلين
3- قال النووي في " الاذكار " : " وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته ، فان النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الاكثرون ، وصرح به المحققون "
4- وله شاهد من حديث ابن عباس ، رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( ق 156 / 2 ) بسند ضعيف .
5- أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء ديه .
6- أي وصيته إياه بقضاء الدين عنه ، أنطر حديثه في ذلك في الفصل الاول من المسألة الرابعة .
7- أي عيالا ، قال ابن الاثير: " وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا ، فسمى العيال يالمصدر كما تقول :من مات وترك فقراً ، أي فقراء"
8- وعزاه الشوكاني ( 4 / 21 ) لابن ماجه وهم ، فاني لم أجده عنده بعد مزيد البحث عنه ، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " ولو كان عنده لعزاه إليه المذري ، ولما أورده الهيثمي في " المجمع " كما هو المعروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف .