- الخلاص من الأزمة -
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-... أمّا بعد..
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الأحاديث الصحيحة – عن الداء ! – من افتراق و اختلاف و تحريش !! و تغير النفوس و تحور الأحوال ، فزمان يرفع فيه العلم و يوضع فيه الجهل لفظيع ! و زمان يؤمن فيه الخائن و يخون فيه الأمين لمريع ، وزمان وسد فيه الأمر إلى غير أهله فتكلم فيه الرويبضات بدون علم فضلوا و أضلوا لحقاً شنيع – ، و النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك كله و أخبر عن الدواء أيضاً .
فأمام تلكم الفتن الهوجاء العمياء ينقسم الناس إلى أقسام و أحزاب ، فالغالب من الناس يبحثون عن منهج السلامة ! إلا أن القلة القليلة تبحث عن سلامة المنهج !! فتختاره عن :
- علم و روية .
- فتعمل به .
- و تصبر عليه .
- وتدعوا إليه .
فهذه أمور أربعة كفيلة لعصمة الإنسان من الفتن في الدنيا و الآخرة !
فإن منهج السلف الخالي من البدع و الخرافات و الترهات لهو أحق أن يقود الأمة في المرحلة القادمة إلى عزها و مجدها ، كيف لا وهو دين الله بصفائه وبهائه ، و هو امرنا العتيق .
وإنه من المسلم به لكل مسلم عاقل ، أن آخر هذه الأمة لا ينتصر إلا بالذي انتصر به أولها ، كتاب الله و سنته نبيه و فهم هذين الأصلين الأصيلين فهماً يوافق فهم الصحابة الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على عينه ، و الاعتصام بنهجهم . وإن أثر تطبيق هذا المنهج ( منهج أهل السنة و الجماعة ) له عظيم الأثر في إصلاح أحوال هذه الأمة عندما هي تصلح حالها !!
فإنه لا صلاح لنا ولا فلاح و لا نجاح لدعوتنا إلا عدنا إلى أصل شجرتنا ونعض عليه ، و حتى ننطلق في دعوتنا من عقيدة التوحيد و منهاج أهل السنة و الجماعة ، نبني على هذا الأساس كل شيء في حالنا و أحوالنا و عليه نربي شبابنا و فتياننا ، فمنه ننطلق وإليه ننتهي وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
و الأدلة على ذلك كثيرة جداً منها :
قال الله عز وجل : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [1]
و قوله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ »[2]
وَذَكَرَ لَهُمْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا " أَنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ " فَلَمْ يَسْمَعْهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ مُعَاذُ بن جَبَلٍ : أَلا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا : مَا قَالَ ؟ قَالَ : " إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ " ، فَقَالُوا : فَكَيْفَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَكَيْفَ نَصْنَعُ ؟ قَالَ : " تَرْجِعُونَ إِلَى أَمْرِكُمُ الأَوَّلِ " .[3]
و قوله صلى الله عليه وسلم : «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» [4]
وقوله صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : و ما تلك الفرقة ؟ قال : ما أنا عليه اليوم و أصحابي » [5] .
وكما انه صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتزام جماعة المسلمين و أمرنا بالاعتصام بالهدي القويم فإنه أيضاً أمرنا بالصبر على هذا المنهج بله و العض عليه بأسناننا و جوارحنا ، كيف لا وفيه النجاة من فتن الدنيا و بلاياها و رزاياها ...
عن أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }[6] قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : « بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ يَعْنِي بِنَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ » فقيل يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ؟قَالَ « أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ » [7]
و الشح هو : أشد البخل والحرص على متاع الدنيا ، و الهوى : كل ما يريده الإنسان ويختاره ويرضاه ويشتهيه ويميل إليه ، و مؤثرة يعني : مفضلة على الآخرة .
وجماع ذلك كله قول الله عز وجل : {وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِيخُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
الطريق إلى النصر ...
نحن الآن في ذل ! ونحن الآن في هوان واستكانة ، فما هو الخلاص ؟ وكيف النجاة ؟؟
هذا السؤال الذي يعصف بأذهان كثير من مسلمي اليوم ، و هو الذي يؤرقهم بل يؤزهم أزا !!و الجواب على هذا السؤال ولد أحزاباً و فرق !! فكل يرى رؤيته للواقع من منظاره هو أو من منظار فكره الذي يحمل وحزبه الذي يتبع ، ولكن دعونا نحن أن نرجع للأصل الأول و للمنبع الصافي أولم يقل الله عز وجل :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [8]
أو لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [9]
إن مصيبة الأمة اليوم لا تكمن أنها فاشلة سياسياً أو اقتصادياً !! – ولا نهمش أياً منها – إن مصيبة اليوم أكبر من احتلال فلسطين أو ضياع العراق ! ، إن مصيبة الأمة اليوم أنها أضاعت دينها ، و الذي قسم ظهرها أنها جاهلة بعقيدتها و منهجها القويم فلا تثبت على الدين ولا تتبع السبيل القويم تائه على غير هدى كظمئان في صحراء قاحلة ! ، من أكبر أسباب ذلك أنها انفضت عن حول العلماء ، وراحت تسير خلف المفكرين !! و أنصاف الدعاة !! الذين يتكلموا بلا علم من الكتاب و السنة فضلوا و أضلوا وقد زعموا أنهم يريدوا إرجاع حقوق الأمة ، فيا ليت شعري أوليس إرجاع دينها و عقيدتها أولى و أولى ؟ " فإن مما لا يخفى أن القائد الذي يقول للأمّة : ( إنّك مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها ) ، يجد منها ما لايجد من يقول لها : ( إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك ) ، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها.وهذا كله نعلمه، ولكنّنا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبيَّنا، وإنّنا ـ فيما اخترناه ـ بإذن الله لَمَاضون، وعليه متوكِّلون " [10]
فنحن الآن يجب أن نفعل ما فعله المسلمون الأولون تماماً فنبدأ بالذي بدؤوا في علاجاً ونصحاً و إرشاداً ...فإن أول ما بدؤوا به هو ترسيخ العقيدة في النفوس ، و إرسائها على أرض الواقع ، وتعلم المعنى الحقيقي ( للا إله إلا الله ) وإظهارها أمراً واقعاً يعاينه كل بصير .
فيا أيها المنصف : " إن كنت باحثاً في علل انحطاط الأمم ؛ فلن تجد كالشرك أدل على ظلمة القلوب وسفه الأحلام وفساد الأخلاق ، ولن تجد كهذه النقائص أضر بالاتحاد و أدر للفوضى و أضل للشعوب .وإن كنت باحثاً عن أسباب الرقي ؛ فلن تجد كالتوحيد أطهر للقلوب وأرشد للعقول ، وأقوم للأخلاق ، وأحفظ للحياة ، وأضمن للسيادة ، و أقوى على حمل منار المدنية الطاهرة .و إن نظرة غي حياة العرب قبل البعثة ، لتؤيد ما أضفناه للشرك من علل و نتائج ، و إن وقفة على حياتهم بعد البعثة لتبعث على التصديق بما أنطناه بالتوحيد من أسباب وثمرات ، وإن تلك النظرة و هاته الوقفة لتبين سبب عز المسلمين و منعتهم بعد عصر النبوة !!! . وكل من قارن بين حياتنا اليوم وحياة المشركين بالأمس ؛ استيقن أن وسائل الشرك قد وجدت في المسلمين منذ أمد ، وأن نتائجه قد ظهرت عليهم ، فلا تخفى على أحد " [11]
..فهلموا معاشر الدعاة نبدأ بالذي بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهذا الذل إذن لا ينزع إلا إذا عدنا إلى ديننا القويم و إلى أمرنا الأول دعوة و عملاً ومنهجاً و تنظيماً عقيدة و فقهاً و أخلاقاً ... بله في كل أمور حياتنا .
ولله در الشاعر ...
ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليبس !!
فلا بد إذن لتحقيق هدف مطلوب شرعاً ؛ من اتخاذ وسائل و أسباب مشروعة لتحقيق ذاك الهدف ...وإن هدف المسلمين اليوم معروف لكل عاقل وكذا أسبابه لا تخفى قال الله عز وجل : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } [12] ، إذن فربنا جل وعلا يأمرنا بإعداد القوة ، وهذه القوة ينبغي أن تكون على ضربين :
- قوة مادية
-و قوة معنوية
فإن عجزنا عن استحضار القوة المادية اليوم ؛ فإنه ليس صعباً علينا إيجاد القوة المعنوية المتمثلة بالرجوع إلى الدين الحق .
، يتبع ،